الفضاء الافتراضي - An Overview



فالفضاء العمومي يتشكل ويظهر في جملة من المؤسسات المختلفة التي تعمل من أجل الدفاع والمطالبة بحقوق ورغبات وحاجيات الفئات الاجتماعية المكونة للمجتمع باختلاف دياناتها وطبقاتها، ويحاول أن يحل مشاكلهم ويقدم خدمات للصالح العام، فبواسطته تسير الشؤون العامة للأفراد عن طريق تنوير طرق النظام السياسي في كيفية ومتى ولماذا ولصالح من تتخذ القرارت.

لا يرجع صمت الأفراد بالضرورة إلى الخوف من العزلة الاجتماعية، إنما قد يعود إلى عدم الإلمام بالقضية المطروحة للنقاش.

وتشير دراسة قام بها هولت وزملائه إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يزيد من الاهتمام والمشاركة السياسية، وقد وجدت دراسة أخرى مشابهة قام بها جيل دي زينيجا وآخرون بأن الاستخدام الإعلامي لمواقع التواصل الاجتماعي كان له ارتباط إيجابي بالمشاركة السياسية الموصولة بالإنترنت وكذلك المشاركة غير الموصولة بالإنترنت، وتؤكد هذه النتائج على تلك الإمكانات التي تمتلكها الوسائط الرقمية وخاصة التفاعلية منها في تعبئة الناس وفئة الشباب بشكل خاص بغرض المشاركة الفعّالة في الحياة المدنية والسياسية.

شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على التوجهات الفكرية لدى الشباب السعودي

يحتل مفهوم المواطنة مكانة مهمة في العلوم السياسية لاقترانه الوثيق بقضايا حيوية عديدة من قبيل الدولة، الفضاء العمومي، والديمقراطية والقانون والهوية الفردية وحقوق الأقليات. الأمر الذي جعله غير مستقرا وفي تغير دائم، فبمجرد ما يتم الاتفاق والتوافق على تعريف للمواطنة، حتى تظهر في الحياة السياسية والاقتصادية تغيرات تمتد آثارها إلى المفاهيم القريبة منه وتنعكس عليه، الأمر الذي يتطلب معالجة ومراجعته وفق ما يتناسب مع التغيرات الجديدة في الساحة السياسية، ولعل أبرز ما طال الإنسان المعاصر من انقلاب في نظام كينونته وشرط وجوده في العالم، هو التقدم العلمي والثورة التقنية، فأصبحنا نتحدث عن فضاء فوق موضعي عوض فضاء عمومي موضعي، ومواطنة عالمية وعابرة للحدود القومية.

شعور الفرد بالانتماء إلى الأغلبية، يجعله أكثر ميلًا لإبداء وجهات نظره، والمشاركة بآرائه.

وسميت هذه المرحلة بعصر الصناعة أو النهضة أو بالعصر البرجوازي كما سماه هابرماس حيث قضت أوروبا على الإقطاعية الأميرية واتجهت إلى الحرية في الملكية والعمل، واعتبر هابرماس الطبقة البرجوازية كفضاء عمومي أهم فضاء أدى إلى تحول وتطور المجتمع الأوروبي إلى مجتمع رأسمالي كونها الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج المادية والمعنوية، وبذلك المحددة لحركية ونظامية وفاعلية هذا المجتمع، فهي ومن خلال وسائل الإنتاج وبخاصة وسائل الإعلام تقوم ب:

صناعة المحتوى الإعلامي في ضوء تطبيقات الذكاء الاصطناعي

وسائل الإعلام لا تعبر بالضرورة عن رأي الأغلبية، بل تعكس أحيانًا رأي الأغلبية المزيفة التي تروج لها.

ويشير كوليمان إلى وجود معنيين مزدوجين لمفهوم الديمقراطية الإلكترونية، حيث يهتم الأول باستخدام التكنولوجيات الجديدة من قبل المؤسسات الرسمية، ويعتمد على مجموعة من المؤشرات التي تقوم على أساس تجديد استراتيجيات التواصل من قبل الأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات، أما المعنى الثاني فهو عكس الأول إذ يؤكد على دور وأهمية المواطنين، ويعتبر مشاركتهم العامة وشعورهم بالرضى تجاه الخدمات الإدارية التي تقدمها الدولة وغيرها من المؤشرات الأخرى، كدليل على وجود مرحلة متقدمة في سبيل تحقيق الديمقراطية الإلكترونية.

وتعبيرا عن جوهر هذه النقلة برزت مشروعات للساحة الفكرية والثقافية التي تقوم بتسليط الضوء على مسارات هذا الانقلاب، ومن أهمها مشروع تشارلز تايلور. وهذا ما سيعمل هذا المقال على مقاربته؛ وذلك من خلال الفضاء الافتراضي الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف أدى التقدم التقني إلى بناء فضاء عمومي افتراضي عابر للهويات والمواطنين المحليين؟ وهل يكفي نقد التقدم التقني لاسترجاع المعنى الحقيقي للمواطنة؟ أم إن الأمر يستدعي البحث عن سبيل جديد لفهم الوضع الذي يفرضه التقدم التقني؟

نخب جديدة :يمثل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي والمدونون رمزها الأكثر دلالة، فقد تشكلت في الفضاءات الالكترونية نخب هجينة تتكون من المدونين وأصحاب الحسابات في الفايسبوك ومنتديات النقاش أو من فنانين ينشطون على الشبكة وجدوا فيها وسيلة لتوزيع إبداعاتهم، لكن المستخدمين المنتجين للمضامين الإعلامية ليسوا كلهم أفراد مغمورين ينشطون خارج النظام المؤسسي والإعلامي، فقد برز من بين المدونين على سبيل المثال من تحولوا إلى نجوم تحتفي بهم المؤسسات التقليدية السياسية والإعلامية وتعمل على استقطابهم، وفي نفس السياق فإن الفايسبوك ليس دائما فضاء المغامرين لأن النخب التقليدية بدورها تعمل على اكتساحه على غرار السياسيين الذين يستخدمونه لنشر أفكارهم وتوجهاتهم وحشد المؤيدين على غرار الشخصيات السياسية.

إن حاجة الأفراد إلى الانتماء تتفوق على إرادتهم ورغبتهم في التعبير عن آرائهم الحرة والمستقلة.

وانطلاقا من هذا العرض السريع والمختصر لخصائص الفضاء العمومي الافتراضي، وللثورة الرقمية، يمكن القول إن الفضاء العمومي الافتراضي أصبح يشكل فضاءً بالمعنى الدال على الدمقرطة الفعلية التي كان يسعى هابرماس ومن معه إلى إدراكها كأفق عام لإيتيقا التواصل، بسبب قدرة هذه المقولة الجديدة على تحويل الحديث صوب المواطنة العالمية، لوصف روح التفاعل المطلق الممكن بين الشعوب والثقافات.

تكمن قوة الفكر السياسي الراهن في سلطة أحقية تدبيره للاستشكالات والمقولات المركزية للتداول المعاصر، كما هو الأمر في تدبير أسئلة المواطنة بما تتيحه من ممكنات الترابط والجوار مع جوهر القول السياسي في الدولة، الفضاء العمومي، الديمقراطية، القانون، الهوية، المعنى، ومعها باقي المطالب الملحة المعنية بتحدي مجاراة أسئلة الاعتراف والتعددية وحق الاختلاف، حين يجري الحديث مثلا عن مواطنة من درجة أولى وأخرى من درجة ثانية، ومعه أيضا إلحاحية تدبير هذا التعالق المفاهيمي وتشويشاته النظرية حين يجري التعامل مع نور الإمارات "المواطنة" في سياقات أشمل تتلون دوما بأسئلة ومآزق ومستجدات الإنسان المعاصر وما يمسه جراء انقلابات نظام كينونته وشروط وجوده، المحكوم بواقعية التقدم العلمي والثورة التقنية، حتى أضحت المواطنة مجبرة على تطويع بنيتها التقليدية استجابة لشرط تشكل ما يجري تسميته بالمواطنة الفسيحة والسائلة، والمُنسكبة بوضوح ضمن "الفضاء العام فوق موضعي" باعتبارها مواطنة كونية ميزتها تجاوز الانعزالات الوطنية والقومية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *